امروز جمعه  ۱۳ تير ۱۴۰۴
۱۴۰۴/۰۴/۱۲- ۱۸:۵۵

وزیر خارجیة إیران عباس عراقجی یکتب فی النهار: غرب آسیا فی ملتقى الرّدع الذّکی والدیبلوماسیّة الحکیمة

وزیر خارجیة إیران عباس عراقجی یکتب فی النهار: غرب آسیا فی ملتقى الرّدع الذّکی والدیبلوماسیّة الحکیمة استجابة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لطلب وقف الحرب تفتح نافذة جدیدة للدیبلوماسیة الشاملة، تمنح جمیع الأطراف الراغبة فی السلام فرصة لإعادة تقییم مقارباتها. غیر أن الدخول فی المفاوضات ونجاح الدیبلوماسیة یتطلبان مراعاة شروط أساسیة.

وزیر خارجیة إیران عباس عراقجی یکتب فی "النهار": غرب آسیا فی ملتقى الرّدع الذّکی والدیبلوماسیّة الحکیمة

 استجابة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لطلب وقف الحرب تفتح نافذة جدیدة للدیبلوماسیة الشاملة، تمنح جمیع الأطراف الراغبة فی السلام فرصة لإعادة تقییم مقارباتها. غیر أن الدخول فی المفاوضات ونجاح  الدیبلوماسیة یتطلبان مراعاة شروط أساسیة.

المصدر: "النهار"

بقلم: عباس عراقجی، وزیر خارجیة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة


قبل عقود، حینما طُرِحَت قضیة فلسطین کـ"مسألة مرکزیة" فی العالم الإسلامی والفضاء العربی، قلّ من کان یتخیّل أن إیران ستغدو یوماً ما فی صمیم هذه المسألة، تمارس فیها دوراً حاسماً وفعالاً. أما الیوم، وبعد أیامٍ من طلب الکیان الصهیونی وقفاً مؤقتاً للحرب، فإن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لم تؤکد فقط موقعها المؤثر، بل أثبتت أنّ تغییراً ملحوظاً طرأ على میزان القوى فی المنطقة.

فی ما یتعلق بهذا التحول، لا بدّ من التوقف عند نقطتین مفصلیتین؛ أولاً: إنّ المقاومة المقتدرة  التی خاضتها الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة دفاعاً عن سیادتها ووحدة أراضیها، وردّها الحاسم على العدوان الإسرائیلی فی عمق الأراضی الفلسطینیة المحتلة، قد أسفر عن انهیار صورة القوّة المصطنعة للکیان الصهیونی الذی طالما استند إلى دعم مطلق من الولایات المتحدة الأمیرکیة وسائر حلفائها. ثانیاً: لقد جاء الردّ الإیرانی مستنداً إلى القرار الرقم  69/51 الصادر عن الاجتماع الحادی والخمسین لوزراء خارجیة منظمة التعاون الإسلامی، والذی أُقرّ بإجماع کل الدول الأعضاء، مُشکّلاً بذلک موقفاً موحداً وتوافقاً جماعیاً. وقد اعتبر أعضاء منظمة التعاون الإسلامی أنّ العملیات العسکریة الموجهة ضدّ الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة تشکّل "عدواناً"، وفقاً للمادة 2 (4) من میثاق الأمم المتحدة، وأکدوا أنّ ما اقترفه الکیان الصهیونی یُعدّ – بموجب قواعد القانون الدولی الإنسانی – "جریمة حرب".

وفی جزءٍ آخر من هذا القرار، طلبت سبع وخمسون دولة إسلامیة من الوکالة الدولیة للطاقة الذرّیة أن تُدین الهجوم على المنشآت النوویة الإیرانیة من قِبل الولایات المتحدة الأمیرکیة والکیان الإسرائیلی، وأن ترفع تقریراً إلى مجلس الأمن بشأن هذا الانتهاک الصارخ والفاضح للمعاییر الدولیة.

ما یمیّز واقع الأمة الإسلامیة ومنطقتنا الیوم عمّا مضى، هو أن مشهد التلاحم والوحدة الوطنیة الذی شهده المجتمع الإیرانی بعد هذه الاعتداءات قد امتدّ إلى الساحتین الإقلیمیة والإسلامیة. ولا نجد مثیلاً لهذه الحالة إلا فی عام 1969، حینما أقدم الصهاینة على اقتحام المسجد الأقصى وأضرموا النیران فی أجزاء من "أولى القبلتین".

وبرغم أن مجلس الأمن حینها أصدر القرار 271 مدیناً بشدة ما ارتکبه الکیان الإسرائیلی، فإن ما کان له وقع أعمق هو قرار "منظمة المؤتمر الإسلامی" بعقد أول قمة إسلامیة بشأن فلسطین

من وجهة نظری، فإن ما رسّخته قمة الرباط فی أیلول / سبتمبر 1969 من اعتبار قضیة فلسطین نقطة انطلاق للعمل الإسلامی المشترک، یُعاد تجسیده الیوم من خلال الاجتماع الأخیر لوزراء خارجیة الدول الإسلامیة، بما أتاح إدراکاً متقارباً بعد عقود، لتؤسس الدول الإسلامیة أسساً لحوار جدید وواقعی، یعکس تطلعات شعوبها؛ حوار لا تطغى علیه الانتماءات القومیة والطائفیة واللغویة، والخلافات السیاسیة والتنافسات التقلیدیة والجیوسیاسیة.

إن مبدأ "حمایة الحقوق الجماعیة لشعوب المنطقة ودولها" أضحى محوراً مشترکاً فی مواقف الدول خلال الأسبوعین الماضیین، وهو ما یطرح تساؤلات جدیدة: هل اقتنع العالم الإسلامی‌بأن یتولّى دوراً فعّالاً فی لحظة ظهور نظام عالمی جدید ومتعدد الأقطاب وأکثر استقلالاً؟ ألم تصبح قضایا فلسطین والکرامة والتنمیة فی صدارة الاهتمام الجماعی لدول المنطقة والمجتمعات الإسلامیة؟

الأیام الخمسة عشر الأخیرة، أو "أیام الاقتدار"، کانت من جهة، اختباراً لتماسک استراتیجیة الردع والدیبلوماسیة الإقلیمیة الإیرانیة، ومن جهة أخرى، امتحاناً لمدى جدیة العالم الإسلامی فی التصدی للتهدیدات المشترکة. وللمرة الأولى منذ قمة منظمة التعاون الإسلامی فی الرباط، یشکّل العالم الإسلامی خطاباً إسلامیاً جدیداً یتّسم بالواقعیة والقوة، لم تتخلّف عنه أی دولة عضو.

إنّ الرکیزة الأساسیة للردع باتت تتجسّد فی التعاون بین دول المنطقة. إن التوافق فی مواجهة التهدیدات المشترکة، والتفاهم بشأن الاستقرار الإقلیمی، والأمن الاقتصادی، ومحاربة الإرهاب بصوره کافة هی المرتکزات الأربعة التی تشکل أرکان الطاولة التی ینبغی أن تُدار حولها المفاوضات الدیبلوماسیة.

 إن استجابة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لطلب وقف الحرب تفتح نافذة جدیدة للدیبلوماسیة الشاملة، تمنح جمیع الأطراف الراغبة فی السلام فرصة لإعادة تقییم مقارباتها. غیر أن الدخول فی المفاوضات ونجاح  الدیبلوماسیة یتطلبان مراعاة شروط أساسیة.

أولى الخطوات فی هذا المسار تتمثل فی متابعة قضیتی "ضمان الأمن" و"تحقیق العدالة". أما ضمان الأمن، فلا یتحقق إلا بإضفاء طابع قانونی على طلب وقف الحرب، وتقدیم المعتدی ضماناتٍ بعدم اللجوء إلى العنف مستقبلاً؛ وهو أمر کان غائباً فی ملفی غزة ولبنان، ما أدّى إلى استمرار الکیان الصهیونی فی انتهاک وقف إطلاق النار المتفق علیه، والاستهزاء بالاستقرار فی منطقة البحر الأبیض المتوسط
هنا، ینبغی على مجلس الأمن أن ینهض بمسؤولیاته وفقاً لما یفرضه میثاق الأمم المتحدة، وأن یتحرّک بخطى عاجلة وفوریة لانتزاع الضمانات اللازمة من الطرف المعتدی. ولا ریب فی أن الأعضاء المؤثرین فی مجلس الأمن، کالصین وروسیا وأوروبا إلى جانب دول کالبرازیل والیابان، التی تعتبر حمایة السلام الدولی من مسؤولیاتها، یستطیعون الإسهام بدور بنّاء فی تحقیق هذا الهدف.

یجب أن أشیر إلى أن بلادی، إیران، دأبت على مدى عقود على الدعوة إلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النوویة بغیة ضمان الأمن الإقلیمی، وأظهرت التزامها بهذا التوجّه. وبالتوازی مع هذه الرؤیة، من الضروری الترکیز على التوافق الجماعی بین الدول الإسلامیة، والعمل على صیاغة نماذج للتنمیة الاقتصادیة، من خلال أفکار مثل الاستثمار واتفاقیات التجارة الإقلیمیة، باعتبارها أدوات لتخفیف التوتر فی الظروف الراهنة.

فی ما یتعلق بتحقیق العدالة، فإن الفکرة الواردة فی الفقرة 2 من القرار 69/51 الصادر عن منظمة التعاون الإسلامی تُعدّ مجدیة؛ إن الإدانة الصریحة من الوکالة الدولیة للطاقة الذریة للهجمات التی شنّها الکیان الإسرائیلی والولایات المتحدة على المنشآت النوویة السلمیة فی إیران – کمنشآت نطنز وفوردو وأصفهان – ینبغی أن تتخذ بُعداً عملیاً وتنفیذیاً. ولا ینبغی أن یُنسى أن المطالبة بصدور هذه الإدانة تأتی فی سیاق اعتداءات استهدفت منشآت خاضعة بکاملها لضمانات الوکالة الدولیة للطاقة الذریة.

یمکن النظر إلى ضمان الأمن وتحقیق العدالة فی الخطوة الأولى، کمرحلة انطلاق فی مسارٍ طویل من شأنه أن یربط بین "لحظة وقف الحرب" و"أفق السلام المستدام". ولا شک فی أن منطقة غرب آسیا تقف الیوم عند مفترق تاریخی حاسم: إما الاستمرار فی دوامة عنف لا نهایة لها، أو التوجّه نحو سلام راسخ البنیان. لقد آن الأوان لأن یفکر العالم الإسلامی فی مستقبل أکثر استقراراً واستدامة، بدلاً من اعتماد سیاسات قصیرة الأمد

فی السیاق ذاته، فإن الخطوة الثانیة على طریق السلام ترتبط ارتباطاً وثیقاً بالموقع المحوری للبنان وفلسطین، کدولتین فی العالم الإسلامی. ویتطلب هذا التوجه أن تحظى منطقتا غزة ولبنان، اللتان کانتا الأکثر تضرراً من العدوان والقتل والاحتلال المنظم خلال العام ونصف العام المنصرم، باهتمام خاص من جمیع الأطراف

ترى الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، کما سائر الدول الإسلامیة، أن الشرط الأساسی لإدارة النزاع هو الوقف الفوری للعدوان والاحتلال ضد غزة ولبنان، وتقدیم المساعدات الإنسانیة العاجلة، والمشارکة الجدیة من المجتمع الدولی فی إعادة إعمار هاتین المنطقتین.

إلى جانب الخطوات التنفیذیة البنّاءة المشار إلیها، لا بدّ من أخذ مسألة إنشاء وصیاغة إطار أو منصّة تنفیذیة بعین الاعتبار. إنّ تأسیس هیئة قانونیة وحقوقیة، مثل "محکمة حقوق الإنسان الإسلامیة"، استناداً إلى المبادئ القانونیة المعتمدة فی العالم الإسلامی، کإعلان القاهرة لعام 1990، یمکن أن یکون متطلباً مکمّلاً فی هذا السیاق

وینبغی أن تحظى هذه المحکمة، على غرار المحکمة الأوروبیة لحقوق الإنسان، بدعم دولی واسع النطاق. وإنّ إنشاء مثل هذه الآلیة من شأنه أن یُمکّن الدول الأعضاء فی منظمة التعاون الإسلامی من الاضطلاع بدور أکثر فاعلیة فی مسار التضامن والعمل المشترک.

إنّ تولّی ترکیا حالیاً رئاسة منظمة التعاون الإسلامی یُتیح الفرصة لتشکیل لجنة تمهیدیة لصیاغة النظام الأساسی فی أقرب وقت ممکن، وإکساب مسار التعاون بین العالم الإسلامی والمؤسسات الدولیة، کالمحکمة الجنائیة الدولیة، طابعاً منظّماً ومؤسّسیاً من خلال الترکیز على ملفات محددة کقضیة غزة.

من منظور الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، فإنّ السلام والاستقرار الجماعی فی غرب آسیا – المنطقة الخالیة من الأسلحة النوویة – لیس فقط ممکناً وفی متناول الید من خلال التعاون المشترک فی سیاق الاهتمام بالمصیر الجماعی، بل هو أمر ضروری.

 

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است

امتیاز شما